فصل: خلع السلطان على الأمير شاهين حاجب صفد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


فلما كان أول شهر رجب قدم الخبر على السلطان من الأمير جقمق بنزول قرقماس من قلعة كختا ومعه حريمه وتسلمها نواب السلطان وأنه توجه معه قرقماس المذكور إلى حلب‏.‏

ثم قدم الخبر على السلطان من الأمير منكلي بغا نائب ملطية بأن طائفةً من عسكر قرا يوسف نزلوا تحت قلعة منشار ونهبوا بيوت الأكراد وعدى الفرات منهم نحو ثلاثمائة فارس وأنه ركب عليهم وقاتلهم وقتل منهم نحو العشرين وغرق في الفرات نحو ذلك وأسر اثني عشر نفرًا فكتب له السلطان بالشكر والثناء‏.‏

ثم

 خلع السلطان على الأمير شاهين حاجب صفد

باستقراره في نيابة كركر وعلى الأمير كزل بغا أحد أمراء حماة بنيابة كختا فمضى كزل بغا المذكور إليها من يومه‏.‏

ورحل السلطان من الغد وهو يوم الثلاثاء رابع شهر رجب وقد عاوده ألم رجله الذي يعتريه في بعض الأحيان فركب المحفة عجزًا عن ركوب الفرس وعاد إلى جهة البلاد الحلبية إلى أن وصل إلى بلد يقال له كيلك فنزل في الفرات في زوارق وصحبته جماعة وسار إلى أن وصل قلعة الروم في عشية يوم الخميس سادسه وبات بها‏.‏

ونزل من الغد بعدما رتب أحوال القلعة وأنعم على نائبها بخمسمائة دينار فقدم عليه في يوم الجمعة سابعه الخبر بأن الأمير قجقار القردمي نائب حلب يخبر بهزيمة قرايلك من قرا يوسف وأن الذين معه من العسكر المقيم على كركر خافوا من قرا يوسف وعزموا على الرحيل‏.‏

وبينما كتاب قجقار يقرأ قدم كتاب آقباي نائب الشام بأن الأمير قجقار نائب حلب رحل عن كركر بمن معه من غير أن يعلمه وأنه عزم على محاصرتها فكتب إليه السلطان بأن يستمر على حصارها‏.‏

ثم في بكرة يوم السبت ثامن شهر رجب انحدر السلطان من قلعة الروم ونزل على البيرة فطلع من المراكب إليها وقرر أمورها‏.‏

فقدم عليه الخبر من الغد بقرب قرا يوسف وأن الأمير آقباي نائب الشام صالح الأمير خليلًا نائب كركر ورحل عنها بمن معه فحنق السلطان من ذلك واشتد غضبة على الأمير قجقار القردمي‏.‏

ثم رحل من البيرة يريد حلب حتى دخلها بكرة يوم الخميس ثالث عشر شهر رجب بأبهة الملك وقد تلقاه أهل حلب وفرحوا بقدومه لكثرة إرجافهم بقدوم قرا يوسف إليها فاطمأنوا‏.‏

وطلع السلطان إلى قلعة حلب ونادى بالأمان وفرق على الفقراء والفقهاء مالًا جزيلًا وأمر ببناء القصر الذي كان الأمير جكم شرع في عمارته‏.‏

ثم في سابع عشرة قدم الأمير آقباي والأمير قجقار القردمي والأمير جارقطلو فأغلظ السلطان على الأمير قجقار القردمي ووبخه فأجابه قجقار بدالة ولم يراع الأدب معه فأمر به فقبض عليه وحبسه بقلعة حلب ثم أفرج عنه في يومه بشفاعة الأمراء وبعثه إلى دمشق بطالًا وخلع على الأمير يشبك المؤيدي اليوسفي نائب طرابلس باستقراره عوضه بنيابة حلب وخلع على الأمير برد بك رأس نوبة النوب باستقراره في نيابة طرابلس عوضًا عن يشبك المذكور‏.‏

ثم في يوم الخميس العشرين من شهر رجب خلع على الأمير ططر باستقراره رأس نوبة كبيرًا عوضًا عن برد بك المذكور وخلع على الأمير نكباي باستقراره في نيابة حماة عوضًا عن جارقطلو بحكم عزله وخلع على جارقطلو المذكور باستقراره نائب صفد عوضًا عن خليل التبريزي الدشاري واستقر خليل المذكور حاجب الحجاب بطرابلس فاستعفى خليل من حجوبية طرابلس فأعفي‏.‏

وخلع السلطان على الأمير سودون قراسقل حاجب الحجاب بالديار المصرية باستقراره في حجوبية طرابلس‏.‏

قلت‏:‏ درجات إلى أسفل‏.‏

وخلع على الأمير شاهين الأرغون شاوي باستقراره في نيابة قلعة دمشق عوضًا عن ألطنبغا المؤيدي المرقبي بحكم انتقال المرقبي إلى تقدمة ألف بالديار المصرية‏.‏

ثم في رابع عشرينه رسم السلطان للنواب بالتوجه إلى محل كفالتهم بعد أن خلع عليهم خلع السفر‏.‏

ثم في سادس عشرينه استدعى السلطان مقبلًا القرماني ورفاقه فضربه ضربًا مبرحًا ثم صلبه هو ومن معه‏.‏

ثم في يوم الاثنين أول شعبان قدم قاصد كردي بك ومعه الأمير سودون اليوسفي أحد الأمراء المتسحبين من وقعة قاني باي نائب الشام وقد قبض عليه فسمره الملك المؤيد من الغد تحت قلعة حلب ثم وسطه فعيب ذلك على السلطان كون سودون المذكور كان من جملة أمراء الألوف ثم من أعيان المماليك الظاهرية ووسط مثل قطاع الطريق‏.‏

ثم خلع السلطان على تمراز باستقراره في حجوبية حلب عوضًا عن آقبلاط الدمرداشي‏.‏

وكان السلطان خلع على الأمير يشبك الجكمي الدوادار الثاني باستقراره أمير حاج المحمل وسيره إلى القاهرة فوصلها في شعبان المذكور فوجد القاهرة مضطربة والناس في هرج كونهم أمسكوا بالقاهرة نصرانيًا وقد خلا بامرأة مسلمة فاعترفا بالزنا فرجما خارج باب الشعرية ظاهر القاهرة عند قنطرة الحاجب وأحرق العامة النصراني ودفنت المرأة فكان يومًا عظيمًا‏.‏

ثم عزل السلطان تمراز المذكور عن حجوبية حلب واستقر عوضه بالأمير عمر سبط ابن شهري‏.‏

ثم خرج السلطان في ثامن عشر شعبان المذكور من حلب ونزل بعين مباركة‏.‏

واستقل بالمسير منها في عشرينه يريد جهة دمشق ونزل قنسرين وأعاد منها الأمير يشبك نائب حلب إليها‏.‏

وسار عشية يوم الجمعة سادس عشرينه حتى قدم دمشق في بكرة يوم الخميس ثالث شهر رمضان ونزل بقلعتها فكان قدومه دمشق يومًا مشهودًا‏.‏

وأخذ في إصلاح أمر البلاد الشامية إلى يوم الاثنين سابع شهر رمضان فأمسك الأمير آقباي المؤيدي نائب الشام وقيده وسجنه بقلعة وسبب القبض على آقباي المذكور أن السلطان الملك المؤيد كان اشتراه في أيام إمرته صغيرًا بألفي درهم من دراهم لعب الكنجفة وهو أن الملك المؤيد كان قاعدًا يلاعب بعض أصحابه بالكنجفة وقد قمر ذلك الرجل بدراهم كبيرة فأدخل عليه آقباي المذكور مع تاجره فأعجبه واشتراه وطلب خازنداره ليقبض التاجر ثمن آقباي المذكور فلم يجده فوزن له المؤيد ثمنه من تلك الدراهم التي قمرها‏.‏

ثم رباه وأعتقه وجعله خازنداره ثم رقاه أيام سلطنته إلى أن جعله من جملة أمراء الألوف ثم دوادارًا كبيرًا بعد موت جاني بك المؤيدي ثم ولاه نيابة حلب‏.‏

وكان آقباي شجاعًا مقدامًا مجبولًا على طبيعة الكبر تحدثه نفسه كلما انتهى إلى منزلة علية إلى أعلى منها‏.‏

فلما ولى نيابة حلب استخدام جماعة من مماليك قاني باي المحمدي نائب الشام بعد قتله وأنعم عليهم بالعطايا هم وغيرهم‏.‏

وبلغ ذلك المؤيد فلم يحرك ساكنًا حتى أشيع عنه الخروج عن الطاعة وتواترت على المؤيد الأخبار بذلك لا سيما الأمير ألطنبغا المرقبي نائب قلعة حلب فإنه بالغ إلى الغاية‏.‏

فلما تحقق الملك المؤيد أمره بادر إلى السفر إلى جهة بلاد الشام واحتج بأمر من الأمور‏.‏

وبلغ آقباي أن السلطان بلغه أمره وعزم على السفر إلى البلاد الشامية لأجله ورأى أن أمره لم يستقم إلى الآن مع معرفته بصولة أستاذه الملك المؤيد فخاف أن يقع له كما وقع لقاني باي ونوروز وغيرهم وهم هم فركب من حلب على حين غفلة في ثماني هجن كما تقدم ذكره وقدم القاهرة بغتة يخادع بذلك السلطان‏.‏

فانخدع له الملك المؤيد في الظاهر وفي الباطن غير ذلك وقد تجهز للسفر فلم يمكنه الرجوع عن السفر لما أشيع بسفره في الأقطار ويقال في الأمثال‏:‏ الشروع ملزم فخلع عليه بنيابة الشام عوضًا عن ألطنبغا العثماني وفي النفس ما فيها‏.‏

ووقع ما حكيناه من أمر سفر السلطان ورجوعه إلى دمشق‏.‏

فلما قدم إلى دمشق وشى بآقباي إلى السلطان دواداره الأمير شاهين الأرغون شاوي في جماعة من أمراء دمشق أن آقباي المذكور يترقب مرض السلطان إذا عاوده ألم رجله وأنه استخدم جماعةً من أعداء السلطان وأن حركاته كلها تدل على الوثوب‏.‏

فعند ذلك تحرك ما عند السلطان من الكوامن وقبض عليه وولى مكانه نائب دمشق الأمير تنبك العلائي ميق الأمير آخور الكبير بعد تمنع كبير من تنبك إلى أن أذعن ولبس التشريف فطلب السلطان الأمير قجقار القردمي نائب حلب - كان - وهو بطال بدمشق وأنعم عليه بإقطاع الأمير تنبك ميق المذكور ثم أفرج السلطان عن الأمير ألطنبغا العثماني نائب الشام - كان - ورسم له بالتوجه إلى القدس بطالًا‏.‏

وأقام السلطان بدمشق إلى يوم الاثنين رابع عشر شهر رمضان من سنة عشرين وثمانمائة فخرج من دمشق يريد الديار المصرية ونزل بقية يلبغا‏.‏

ثم سار من قبة يلبغا وأعاد الأمير تنبك ميق إلى محل كفالته بدمشق‏.‏

وسار إلى أن قدم القدس في بكرة يوم الجمعة خامس عشرينه فزاره وفرق به أموالًا جزيلة وصلى الجمعة وجلس بالمسجد الأقصى وقريء صحيح البخاري من ربعة فرقت بين يديه على الفقهاء القادمين إلى لقائه من القاهرة ومن كان بالقدس من أهله‏.‏

ثم قام المداح بعد فراغهم وخلع السلطان عليهم فكان يومًا مشهودًا‏.‏

ثم سار السلطان من الغد إلى الخليل - عليه السلام - فزاره وتصدق فيه أيضًا بجملة‏.‏

وخرج منه وسار يريد غزة فلقيه أستاداره فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج في قرية السكرية وقبل الأرض بين يديه وناوله قائمة فيها ما أعده له من الخيول والأموال وغيرها فسر السلطان بذلك على ما سنذكره فيما بعد‏.‏

وسار السلطان حتى نزل مدينة غزة في يوم الاثنين ثامن عشرين شهر رمضان وأقام بها إلى أن خرج منها في آخر يوم السبت أول شوال بعدما صلى صلاة العيد على المصطبة المستجدة ظاهر غزة وصلى به وخطب شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني‏.‏

وسار السلطان حتى نزل بخانقاه سرياقوس في يوم الجمعة تاسع شوال فأقام بالخانقاه المذكورة من يوم الجمعة إلى يوم الأربعاء رابع عشرة‏.‏

وركب منها بعد أن عمل بها أوقاتًا طيبة ودخل حمامها غير مرة وسار حتى نزل خارج القاهرة عند مسجد التبن وبات هناك‏.‏

ثم ركب من الغد في يوم الخميس خامس عشر شوال من الريدانية بأبهة السلطنة وشعار الملك وعساكره وأمراؤه بين يديه ودخل القاهرة من باب النصر وولده المقام الصارمي إبراهيم يحمل القبة والطير على رأسه‏.‏

وترجل المماليك من داخل باب النصر ومشوا بين يديه وسارت الأمراء على بعد ركابًا وعليهم وعلى القضاة والخليفة التشاريف وكذلك سائر أرباب الدولة‏.‏

ومر السلطان على ذلك إلى أن نزل بجامعه الذي أنشأه بالقرب من باب زويلة وقد زينت القاهرة لقدومه وأشعلت حوانيتها الشموع والقناديل وقعدت المغاني صفوفًا على الدكاكين تدق بالدفوف‏.‏

ولما نزل بالجامع المذكور مد له الأستادار سماطًا عظيمًا به فأكل السلطان هو وعساكره‏.‏

ثم ركب من باب المؤيدية وخرج من باب زويلة بتلك الهيئة المذكورة وسار إلى أن طلع إلى قلعة الجبل من باب السر راكبًا بشعار الملك حتى دخل من باب الستارة وهو على فرسه إلى قاعة العواميد من الدور السلطانية فنزل عن فرسه على فراشه بحافة الإيوان وقد تلقاه حرمه بالتهاني والزعفران فكان لقدومه يومًا مشهودًا لم يسمع بمثله إلا نادرًا‏.‏

ثم في يوم الاثنين تاسع عشر شوال خلع السلطان على الأمير قجقار القردمي المعزول عن نيابة حلب باستقراره أمير سلاح على عادته قبل نيابة حلب وخلع على الأمير طوغان أمير آخور باستقراره أمير آخور كبيرًا عوضًا عن تنبك ميق بحكم توليته نيابة دمشق وخلع على الأمير ألطنبغا المرقبي المعزول عن نيابة حلب باستقراره حاجب الحجاب بالديار المصرية عوضًا عن سودون قراسقل كم استقرار سودون المذكور في حجوبية طرابلس وخلع على فخر الدين بن أبي الفرج خلعة الاستمرار على وظيفة الأستادارية‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء عشرينه خرج محمل الحاج إلى الريدانية خارج القاهرة وأمير حاج المحمل الأمير يشبك الجكمي المقدم ذكره‏.‏

ثم في يوم الخميس ثاني عشرينه ركب السلطان ونزل من القلعة بأمرائه وخاصكييه وسرح إلى بر الجيزة لصيد الكراكي وغيرها وعاد في آخره من باب القنطرة ومر من بين السورين ونزل في بيت فخر الدين بن أبي الفرج الأستادار فقدم له فخر الدين المذكور عشرة الآف دينار‏.‏

ثم ركب السلطان من بيت فخر الدين وسار حتى شاهد الميضأة التي بنيت للجامع المؤيدي ثم صعد إلى القلعة‏.‏

ثم ركب من الغد وسرح أيضًا وعاد في يوم الأحد خامس عشرينه‏.‏

وفي يوم الاثنين سادس عشرينه خلع على أرغون شاه النوروزي الأعور باستقراره وزيرًا عوضًا عن فخر الدين بن أبي الفرج وخلع على فخر الدين المذكور خلعة الاستمرار على وظيفة الأستادارية فقط وأن يكون مشير الدولة‏.‏

وأما تقدمة فخر الدين بن أبي الفرج المذكور التي وعدنا بذكرها عندما قدم السلطان إلى الديار المصرية فبلغت أربعمائة ألف دينار عينًا وثمانية عشر ألف أردب غلة من ذلك ما وفره من ديوان الوزارة مبلغ أربعين ألف دينار وثمانية عشر ألف أردب غلة وما وفره من ديوان المفرد ثمانين ألف دينار وما جباه من النواحي - قبليًا وبحريًا - مائتي ألف دينار ومن إقطاعه ثلاثين ألف دينار وذلك سوى مائتي ألف دينار حملها إلى السلطان وهو بالبلاد الشامية‏.‏

ولما كان يوم الأربعاء سادس ذي القعدة قدم على السلطان الخبر من الأمير تنبك العلائي ميق نائب الشام بأنه في ليلة السبت رابع عشرين شوال خرج الأمير آقباي نائب الشام - كان - من سجنه بقلعة دمشق وأفرج عمن كان بها من المسجونين وهجم بهم آقباي على نائب قلعة دمشق فهرب نائب القلعة ونزل إلى المدينة وخرج آقباي في أثره إلى باب الجديد بمن معه فسمع الأمير تنبك الضجة فركب بمماليكه وأدرك نائب القلعة وركبت عساكر دمشق في الحال فأغلق آقباي باب قلعة دمشق وامتنع بها بمن معه وأن تنبك مقيم على حصار القلعة‏.‏

فتشوش السلطان لذلك وكتب إلى تنبك المذكور بالجد في أخذه‏.‏

فقدم من الغد أيضًا كتاب الأمير تنبك ميق بأن آقباي استمر بالقلعة إلى ليلة الاثنين سادس عشرين شوال ثم نزل منها بقرب باب الجديد ومشى في نهر برس إلى طاحون بباب الفرج فاختفى به فقبض عليه هناك وعلى طائفة معه وتسحب طائفة‏.‏

فكتب جواب تنبك بأن يعاقب آقباي حتى يقر على الأموال ثم يقتل‏.‏

ورسم بأن يستقر الأمير شاهين مقدم التركمان والحاجب الثاني بدمشق في نيابة قلعة دمشق ويستقر عوضه حاجبًا ثانيًا كمشبغا طولو وفي تقدمة التركمان الأمير شعبان بن اليغموري أستادار السلطان بدمشق‏.‏

ثم في يوم الجمعة ثامن ذي القعدة خرج المقام الصارمي إبراهيم ابن السلطان في عدة من الأمراء إلى الوجه القبلي لأخذ تقادم العربان وولاة الأعمال‏.‏

وفي يوم الاثنين حادي عشر ذي القعدة على السلطان النيل إلى البر الغربي وسرح إلى الطرانة بالبحيرة وعاد في يوم الاثنين حادي عشر منه بعد أن وصل إلى الغطامي ولم يعد النيل بل نزل بالقصر الذي أنشأه القاضي ناصر الدين بن البارزي كاتب السر ببر منبابة تجاه بولاق وكان قد شرع في أساسه قبل سرحة السلطان ففرغ منه بعد أربعة أيام‏.‏

واستمر به السلطان ثلاثة أيام ثم ركب البحر وتصيد بناحية سرياقوس وركب وعاد إلى القلعة‏.‏

ثم في سادس عشر ذي الحجة ركب السلطان من القلعة ونزل بالجامع المؤيدي ومعه خواصه لا غير ثم توجه منه إلى بيت ناصر الدين بن البارزي كاتب السر بسويقة المسعودي فقدم له كاتب السر تقدمة فأخذها ثم ركب إلى القلعة‏.‏

ثم في يوم السبت عشرين ذي الحجة قدم الصارمي إبراهيم من سفره بعد أن وصل إلى جرجا ‏.‏

ثم في سادس عشر المحرم من سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ورد الخبر على السلطان من الحجاز بأن الأمير يشبك الجكمي الدوادار الثاني أمير حاج المحمل لما قدم المدينة النبوية بعد انقضاء الحج أظهر أنه يسير إلى الركب العراقي يبتاع منه جمالًا ومضى في نفر يسير وتسحب صحبة الركب العراقي خوفًا أن يصيبه من السلطان ما أصاب الأمير آقباي نائب الشام وكان يشبك المذكور صديقًا لآقباي وأشيع أنه كان اتفق معه في الباطن في الوثوب على السلطان‏.‏

وسار يشبك المذكور حتى دخل العراق وقدم على الأمير قرا يوسف فأكرمه قرا يوسف وأجرى عليه الرواتب ودام عنده إلى أن مات قرا يوسف‏.‏

ثم مات الملك المؤيد وقدم يشبك على الأمير ططر بدمشق فولاه الأمير آخورية الكبرى حسبما يأتي ذكر ذلك كله في محله‏.‏

وفي ليلة الخميس رابع عشرين المحرم كان الوقيد ببر منبابة بين يدي السلطان بعد أن عاد السلطان من وسيم حيث مربط خيوله على الربيع ونزل بالقصر المذكور بحري منبابة‏.‏

وألزم السلطان الأمراء بحمل الزيت والنفط فجمع من ذلك شيء كثير وأخذ من قشر البيض وقشر النارنج ومن المسارج الفخار وجعل فيها الفتايل والزيت ثم أرسلت في النيل بعد غروب الشمس بنحو ساعة وأطلقت النفوط وقد امتلأ البران بالخلائق للفرجة على ذلك فكان لهذا الوقيد منظر بهج وانحدر في النيل إلى أن فرغ زيت بعضها وأطفأ الهواء البعض‏.‏

ثم في يوم السبت سادس عشرين المحرم أمسك السلطان الأمير بيبغا المظفري الظاهري أمير مجلس وحمل مقيدًا إلى الإسكندرية‏.‏

ثم نودي بالقاهرة وظواهرها أن كل غريب يخرج من القاهرة ويعود إلى وطنه‏.‏

ثم في يوم السبت رابع صفر وسط السلطان قرقماس الذي كان متولي كختا ووسط معه أيضًا خمسة عشر رجلًا من أصحابه خارج باب النصر وكانوا فيمن أحضرهم السلطان معه من البلاد الشامية - لما قدم من السفر - في الحديد‏.‏

ثم في سادس صفر المذكور ركب السلطان متخففًا ومعه ولده الصارمي إبراهيم في نفر يسير ونزل بجامعه عند باب زويلة ثم توجه منه إلى بيت فخر الدين بن أبي الفرج الأستادار فأكل عنده السماط ثم قدم له فخر الدين خمسة آلاف دينار ثم ركب من بيت فخر الدين المذكور وتوجه إلى بيت الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخاص ونزل عنده فقدم له ثلاثة آلاف دينار وعرض عليه خزانة الخاص فأنعم منها السلطان على ولده إبراهيم وعلى من معه من الأمراء بعدة ثياب حرير وفرو سمور ثم ركب السلطان وعاد إلى القلعة‏.‏

ثم في ثاني عشرينه ركب السلطان ونزل من القلعة لعيادة الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي من وعك كان حصل له ثم ركب من عنده وتوجه إلى بيت الأمير جقمق الدوادار فنزل عنده وأقام يومه كله وعاد من آخر النهار إلى القلعة على هيئة غير مرضية من شدة السكر‏.‏

ثم في ثامن عشرين شهر ربيع الأول قدم الأمير برد بك الخليلي نائب طرابلس إلى القاهرة بطلب لشكوى أهل طرابلس عليه لسوء سيرته‏.‏

وعاود السلطان ألم رجله وانقطع عن الخدمة ولزم الفراش‏.‏

وقبض على الأمير الوزير أرغون شاه النوروزي الأعور وعلى الأمير آقبغا شيطان والي القاهرة وسلمها إلى فخر الدين بن أبي الفرج ليصادرهما‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير برد بك نائب طرابلس باستقراره في نيابة صفد واستقر عوضه في نيابة طرابلس الأمير برسباي الدقماقي أحد أمراء الألوف بالديار المصرية بعد أن طلب من الغربية وكان توجه برسباي لعمل جسورها كاشف الوجه الغربي وبرسباي هذا هو الملك الأشرف الآتي ذكره في محله‏.‏

ثم خلع السلطان على الوزير أرغون شاه باستقراره أمير التركمان بثلاثين ألف دينار ونقل الأمير سنقر نائب المرقب إلى نيابة قلعة دمشق عوضًا عن شاهين واستقر ألطنبغا الجاموس في نيابة المرقب واستقر سودون الأسندمري الأمير آخور الثاني - كان - في دولة الملك الناصر فرج في أتابكية طرابلس وكان الملك المؤيد أفرج عنه من سجن الإسكندرية قبل ذلك بمدة يسيرة وأنعم السلطان بإقطاع الأمير برسباي الدقماقي المنتقل إلى نيابة طرابلس على الأمير فخر الدين بن أبي الفرج الأستادار وبإقطاع فخر الدين على بدر الدين بن محب الدين وقد استقر وزيرًا عوضًا عن أرغون شاه‏.‏

ثم في أول جمادى الأولى تحرك عزم السلطان إلى سفر الحجاز وكتب إلى أمراء الحجاز بذلك‏.‏

وعرض السلطان المماليك وعين عدة منهم للسفر معه إلى الحجاز وأخرج الهجن وجهز الغلال في البحر‏.‏

ثم رسم السلطان باستقرار شاهين الزردكاش حاجب حجاب دمشق في نيابة حماة عوضًا عن الأمير نكباي وأن يستقر نكباي في حجوبية دمشق‏.‏

ثم في ثامن عشرين جمادى الأولى المذكور عزل السلطان جلال الدين البلقيني عن القضاء وخلع على شمس الدين محمد الهروي باستقراره قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية عوضًا عن البلقيني‏.‏

ثم في ثامن عشر شهر رجب خلع السلطان على الأمير قرا مراد خجا أحد مقدمي الآلاف بالديار المصرية باستقراره في نيابة صفد وأنعم بإقطاعه على الأمير جلبان رأس نوبة ابن السلطان‏.‏

ثم في يوم الاثنين خامس عشرين شهر رجب المذكور ركب السلطان من قلعة الجبل إلى ظاهر القاهرة وعبر من باب النصر ومر في شوارع المدينة إلى القلعة وبين يديه الهجن التي عينت للسفر معه إلى الحجاز وعليها الأكوار الذهب والفضة والكنابيش الزركش فكان يومًا عظيمًا فتحقق كل أحد سفر السلطان إلى الحجاز‏.‏

وسار السلطان حتى طلع إلى القلعة فما هو أن استقر به الجلوس إلا ووصل الأمير برد بك الحمزاوي أحد أمراء الألوف بحلب ومعه نائب كختا الأمير منكلي بغا بكتاب نائب حلب وكتاب الأمير عثمان بن طر علي المدعو قرا يلك بأن قرا يلك صاحب العراق قصده ليكبس عليه وقبل أن يركب قرا يلك هجمت عليه فرقة من عسكر قرا يوسف فركب وسار منهزمًا إلى أن وصل إلى مرج دابق ثم دخل حلب في نحو ألف فارس بإذن الأمير يشبك اليوسفي نائب حلب له فجفل من كان خارج مدينة حلب بأجمعهم واضطرب من بداخل سور حلب وألقوا أنفسهم من السور ورحل أجناد الحلقة ومماليك النائب المستخدمين بحريمهم وأولادهم حتى ركب نائب حلب وسكن روع الناس وعرفهم أن قرا يلك لم يقدم إلى حلب إلا بإذنه وأنه مستجير بالسلطان‏.‏

وبينما هو في ذلك رحل قرا يلك من ليلته وعاد إلى جهة الشرق خوفًا من يشبك نائب حلب أن يقبض عليه‏.‏

فلما بلغ السلطان قرب قرا يوسف من بلاده انثنى عزمه عن السفر للحجاز في هذه السنة وكتب في الحال إلى العساكر الشامية بالمسير إلى حلب والأخذ في تهيئة الإقامات السلطانية‏.‏

وأصبح السلطان في يوم الثلاثاء سادس عشرين شعبان جمع القضاة والخليفة وطلب شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني وقص عليهم خبر قرا يوسف وما حصل لأهل حلب من الخوف والفزع وجفلتهم هم وأهل حماة وأن الحمار بلغ ثمنه عندهم خمسمائة درهم فضة والإكديش إلى خمسين دينارًا وأن قرا يوسف في عصمته أربعون امرأة وأنه لا يدين بدين الإسلام وكتبت صورة فتوى في المجلس فيها كثير من قبائحه وأنه قد هجم على ثغور المسلمين ونحو هذا من الكلام‏.‏

فكتب البلقيني والقضاة بجواز قتله وكتب الخليفة خطه بها أيضًا وانصرفوا ومعهم الأمير مقبل الدوادار فنادوا في الناس بالقاهرة بين يدي الخليفة والقضاة بأن قرا يوسف يستحل الدماء ويسبي الحريم فعليكم بجهاده كلكم بأموالكم وأنفسكم فدهي الناس عند سماعهم ذلك واشتد قلقهم‏.‏

ثم كتب إلى ممالك الشام أن ينادى بمثل ذلك في كل مدينة وأن السلطان واصل إليهم بنفسه‏.‏

ثم في يوم الأربعاء سابع عشرين شعبان المذكور نودي بالقاهرة في أجناد الحلقة بتجهيز أمرهم بالسفر إلى الشام ومن تأخر منهم حل به كذا وكذا من الوعيد‏.‏

ثم في أول شهر رمضان قدم الخبر من حلب برحيل قرا يلك منها كما تقدم ذكره وأن يشبك نائب حلب مقيم بالميدان وعنده نحو مائة وأربعين فارسًا وقد خلت حلب من أهلها إلا من التجأ لقلعتها وأن يشبك بينما هو في الميدان جاءه الخبر أن عسكر قرا يوسف قد أدركه فركب قبيل الفجر من الميدان وإذا بمقدمتهم على وطاة بابلة فواقعهم يشبك بمن معه حتى هزمهم وقتل وأسر جماعةً فأخبروه أنهم جاؤوا للكشف لخبر قرا يلك وأن قرا يوسف بعين تاب فعاد يشبك وتوجه إلى سرمين‏.‏

فلما بلغ قرا يوسف هزيمة عسكره كتب إلى يشبك نائب حلب يعتذر عن نزوله بعين تاب وأنه ما قصد إلا قرا يلك فبعث إليه يشبك صاروخان مهمندار حلب فلقيه على جانب الفرات وقد جازت عساكره الفرات وهو على نية الجواز فأكرمه قرا يوسف واعتذر إليه ثانيًا عن وصوله إلى عين تاب وحلف له أنه لم يقصد دخول الشام وأعاده بهدية للنائب فهدأ ما بالناس بحلب وسر السلطان أيضًا بهذا الخبر‏.‏

وكان سبب حركة قرا يوسف أن قرا يلك المذكور في أوائل شعبان هذا نزل على مدينة ماردين - وهي داخلة في حكم قرا يوسف - فأوقع بأهلها وأسرف في قتلهم وسبى أولادهم ونسائهم وباع الأولاد كل صغير بدرهمين وحرق المدينة ونهبها ثم رجع إلى آمد‏.‏

فلما بلغ قرا يوسف الخبر غضب من ذلك وسار ومعه الأمراء الذين تسحبوا من واقعة قاني باي مثل الأمير سودون من عبد الرحمن وطرباي وتنبك البجاسي ويشبك الجكمي وغيرهم يريدون أخذ الثأر من قرا يلك حتى نزل آمد ثم رحل عنها يريد قرا يلك‏.‏

فسار قرا يلك إلى جهة البلاد الحلبية فسار خلفه قرا يوسف حتى قطع الفرات ووقع ما حكيناه‏.‏

ثم في خامس شهر رمضان المذكور نودي في أجناد الحلقة بالعرض على السلطان فعرضوا عليه في يوم الجمعة سادسه وابتدأ بعرض من هو في خدمة الأمراء فخيرهم بين الاستمرار في جملة جناد الحلقة وترك خدمة الأمراء أو الإقامة في خدمه الأمراء وترك أخبار الحلقة فاختار بعضهم خدمة الأمراء وترك خبزه الذي بالحلقة واختار بعضهم ضد ذلك فأخرج السلطان إقطاع من اختار خدمة الأمراء وصرف من خدمة الأمراء من أراد الإقامة على إقطاعه بالحلقة وشكا إليه بعضهم قلة متحصل إقطاعه فزاده وعد هذا من جودة تدبير الملك المؤيد وسيره على القاعدة القديمة فإن العادة كانت في هذه الدولة التركية أن يكون عسكر مصر على ثلاثة أقسام‏:‏ قسم يقال لهم أجناد الحلقة وموضوعهم أن يكونوا في خدمة السلطان ولكل منهم إقطاع في أعمال مصر وكل ألف منهم مضافة إلى أمير مائة ومقدم ألف ولهذا المعنى سمي الأمير بمصر أمير مائة أعني صاحب مائة مملوك في خدمته ومقدم ألف من هؤلاء أجناد الحلقة‏.‏

ويضاف أيضًا لكل مقدم ألف أمير طبلخاناه وأمير عشرين وأمير عشرة ومقدم الحلقة‏.‏

فإذا عين السلطان أميرًا إلى جهة من الجهات نزل ذلك الأمير في الوقت وتهيأ بعد أن أعلم مضافيه فيخرج الجميع في الحال - انتهى‏.‏

وكان نظير هؤلاء أيام الخلفاء أهل العطاء وأهل الديوان‏.‏

والقسم الثاني يقال لهم مماليك السلطان ولهم جوامك ورواتب مقررة على ديوان السلطان في كل شهر وكسوة في السنة‏.‏

والقسم الثالث يقال لهم مماليك الأمراء يخدمون الأمراء‏.‏

وكل من هؤلاء لا يدخل مع آخر فيما هو فيه فلذلك كانت عدة عساكر مصر أضعاف ما هي الآن وهؤلاء غير الأمراء‏.‏

ثم تغير ذلك كله في أيام الملك الظاهر برقوق لما وثب على الملك فصارت الأمراء يشترون إقطاعات الحلقة أو يأخذونها من السلطان باسم مماليكهم أو طواشيتهم ثم لا يكفيهم ذلك حتى ينزلوهم أيضًا في بيت السلطان بجامكية فيصير الواحد من مماليك الأمراء جندي حلقة ومملوك سلطان وفي خدمة أمير فيصير رزق ثلاثة أنفس إلى رجل واحد فكثر متحصل قوم وقل متحصل آخرين فضعف عسكر مصر لذلك‏.‏

فعلى هذا الحساب يكون العسكر الآن بثلث ما كان أولا هذا غير ما خرج من الإقطاعات في وجه الرزق والأملاك وغير ذلك وهو شيء كثير جدًا يخرج عن الحد‏.‏

فمن تأمل ما ذكرناه علم ما كان عدة عسكر مصر أولًا وما عدته الآن‏.‏

هذا مع ما خرب من النواحي من كثرة المغارم والظلم المترادف وقلة نظر الحكام في أحوال البلاد ولولا ذلك لكان عسكر مصر لا يقاومه عدو ولا يدانيه عسكر - انتهى‏.‏

ثم في سابع شهر رمضان هذا أفرج السلطان عن الأمير كمشبغا الفيسي أمير آخور - كان - في الدولة الناصرية وعن الأمير قصروه من تمراز وكانا بسجن الإسكندرية وعن الأمير كزل العجمي الأجرود حاجب الحجاب - كان - في الدولة الناصرية من حبس صفد وعن الأمير شاهين نائب الكرك وكان بقلعة دمشق‏.‏